سأل التلميذ , فأجاب الأستاذ
سأل التلميذ , فأجاب الأستاذ
كتب تلميذ لاستاذه كتابا ذات يوم , قال فيه:
استاذي العزيز :
إن العسل مر مذاقه مادام في بطن النحل , والمسك لا ريح له إن ظل محبوسا في قواريره , ولا جمال للؤلؤ وهو مكنون في أصدافه , وليس للحرير نعومة مالم تنسج خيوطه , وزهيد هو الذهب إن بقي في أحجاره.
فأنى للساني (يا أستاذي ) أن يذوق حلاوة العسل؟وأنى لأنفي أن يتطيب بريح المسك؟ ومتى تتمتع مقلتي بعقد الذهب المزدان باللؤلؤ والمحفوظ في منديل حريري أحمر ؟.
فأجابه الأستاذ قائلا :
فاعلم يا بني أن جنات الفردوس الأعلى فيها أنهار العسل , وريح المسك , وعقد الذهب المزدان باللؤلؤ؛ فأعد لها ما استطعت .
وتذكر يا بني أن الإنسان خلق من كبد , فعليك العمل بلا كلل ولا ملل .
وتذكر أن العسل لم يصبح حلوا إلا عندما تعرض للضوء والهواء , وأعلم أن في ذلك عبرة لمن يعتبر .
فاعلم يا بني بأن علمك لن يثمر إلا إذا تحول إلى عمل ينشر , ويتلامس مع من حوله بعطاء وعطاء .
واعلم يا بني أن الجليس الصالح هو مفتاحك لريح المسك ؛ فهو ملهمك , ومؤنسك , ومغنيك في المشورة , وتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : ( مثل الجليس الصالح والجليس السوء , كحامل المسك ونافخ الكير . فحامل المسك إما أن يحذيك , وإماأن تبتاع منه , وإما أن تجد منه ريحا طيبة . وحامل الكير إما أن يحرق ثيابك , وإما أن تجد عنده ريحا خبيثة ) .
وأما اللؤلؤة يابني فإنك لا تكتشفها إلا إذا مافتحت الصدفة.............وهي قلبك .
واعلم أن اللؤلؤة ما هي إلا محار حافظ على نفسه في مأمنه , فتحول إلى لؤلؤة براقة وحجر ثمين .
فحافظ على دينك تحفظ قلبك , وافتحه بطاعة الله , لتنير للآخرين دروبهم .
وأما الحرير فعلى نعومته بتوحده , فخيطه هو الخيط الأمتن والأقوى .
فكن كالحرير في نعومتك , ولينك , والرقة في تعاملك مع الجماعة .......
وكن كخيط الحرير بمتانتك وقوتك وتمسكك بربك .
وأما بالنسبة للذهب , فهل تتحمل أن تسير مسيرته , لتصبح براقا مثله ... إذا فأنصت
الذهب يكون زهيدا في أحجاره , فتأخذ الأحجار وتكسر , بل وتطحن ناعمة ( هل تتحمل ؟) , ثم بعد ذلك تغطس بالماء لتفرز . (هل تتحمل ؟) ثم بعد ذلك تؤخذ لتصهر . (هل تتحمل ؟)ثم بعد ذلك تبرد لتصبح ذهبا يلمع كما تشتهيه . فهل تتحمل؟
أضيف إليك إلى ذلك يابني مايلي :
]أتعرف الفحم وسواده ؟ أتعرف الفحم وهشاشته ؟ أتعرف كيف أصبح ماسا لامعا , وصلبا قاسيا شفافا , نظيفا منظورا ,مطلوبا ؟ كيف أصبح جوهرة مضيئة وحجرا كريما؟
فاعلم يابني أنه تحمل ضغطا كبيرا هائلا وصبر , وحرارة رهيبة وصبر , وزمنا طويلا وصبر .
وماكان صبره أن يثمر لولا أنه نظم أمره , ورتب ذاته, وهيأ لنفسه شكلا بلوريا ثابتا , موحدا , مرتبا , منظما بإحكام .
فرتب أمرك وأمر من حولك بأحكام الله , ولاتتهاون بحق نفسك , ومن حولك ؛ تفلح
واعلم أنك مرآة لمن حولك ,؛ فكن مفتاح خير مغلق شر . .... تسامح ...تعلم ...اصبر ........واعتبر ... تسلم .
استاذك